هجوم أوكراني جريء- هل بدأت هزيمة بوتين الخفية؟

في فجر يوم الأحد الموافق الأول من يونيو/ حزيران لعام 2025، استيقظ العالم على وقع عملية عسكرية أوكرانية جريئة، استهدفت روسيا، الدولة التي تُصنف كثاني أعظم قوة عسكرية على مستوى العالم. هذه العملية، من حيث المفاجأة والتكتيك، تشبه إلى حد كبير الهجوم الذي شنته البحرية الإمبراطورية اليابانية على بيرل هاربر في السابع من ديسمبر/ كانون الأول عام 1941. ففي ذلك اليوم التاريخي، استخدم اليابانيون 353 طائرة حربية لمباغتة الأسطول الأميركي المتمركز في المحيط الهادئ، وهو الهجوم الذي قلب موازين القوى وأدخل الولايات المتحدة في أتون الحرب العالمية الثانية.
على الرغم من أن العملية الأوكرانية قد تُعتبر بمثابة "نسخة" من بيرل هاربر، نظرًا لما تنطوي عليه من مغامرة وتهور، إلا أنها تثير تساؤلات عميقة حول نقاط الضعف في الدفاعات الروسية، وقدرة روسيا على الانتقام بشكل حاسم. هذا الأمر يعيد إلى الأذهان رد الفعل الأميركي الغاضب على الهجوم الياباني، والذي تجرد من أي اعتبارات إنسانية، ووصل إلى أقصى درجات الانتقام، بغض النظر عن العواقب الأخلاقية والإنسانية الوخيمة.
في هذا الهجوم الجريء، استخدم الأوكرانيون 117 طائرة مسيرة تم تهريبها إلى داخل الأراضي الروسية. العملية، التي أطلق عليها الأوكرانيون اسم "شبكة العنكبوت"، أسفرت عن تدمير 40 طائرة روسية في أربع قواعد عسكرية مختلفة. والأكثر إثارة للقلق، أن هذا الهجوم أدى إلى تدمير ما يقرب من 34% من حاملات صواريخ كروز الإستراتيجية الروسية، مما يمثل ضربة قوية لقدرات الردع الروسية.
من بين المفاجآت المدوية التي أسفرت عنها هذه العملية، والتي أثارت أسئلة حرجة لدى الرأي العام الروسي الغاضب، هو كيف تمكنت الطائرات الأوكرانية من الوصول إلى أربع قواعد جوية روسية، تقع اثنتان منها على بعد آلاف الأميال من الحدود الأوكرانية، وإلحاق أضرار جسيمة بها. هذه القواعد هي: بيلايا في منطقة إيركوتسك في سيبيريا، وأولينيا في منطقة مورمانسك في أقصى شمال غرب روسيا، ودياجليفو في منطقة ريازان الوسطى، وإيفانوفو في منطقة إيفانوفو الوسطى.
وفقًا للتقديرات الأولية، تجاوزت الأضرار التي لحقت بالطيران الإستراتيجي الروسي جراء هذا الهجوم ما قيمته 7 مليارات دولار.
وتشير المعلومات الاستخباراتية الأوكرانية إلى أن التحضير لهذه العملية تم في سرية تامة على مدار 18 شهرًا، دون أن يتمكن الروس من اكتشاف أي شيء.
تعتبر هذه التفاصيل بالغة الأهمية لفهم الصورة الكاملة لهذه العملية، التي تُعد ثاني أكبر عملية عسكرية بعد بيرل هاربر. ويُثار هنا تساؤل جوهري: هل تم تنفيذ هذه العملية بخبرات أوكرانية خالصة، أم بمساعدة من خبراء أمنيين من دول الناتو؟ وهل كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب على علم بهذه الخطط، بهدف الضغط على بوتين ودفعه إلى القبول بتسوية سلمية للحرب؟
تفيد الرواية الأمنية الأوكرانية، والتي لم تنفها روسيا رسميًا، بأن الطائرات بدون طيار كانت مخبأة داخل كبائن خشبية متنقلة، مزودة بأسقف يتم التحكم بها عن بُعد، ومثبتة على شاحنات. تم نقل هذه الشاحنات إلى مناطق قريبة من القواعد الجوية، ومن ثم تم إطلاق الطائرات في التوقيت المناسب.
ولكن المفاجأة الصادمة التي هزت أركان المؤسستين الأمنية والعسكرية في موسكو، كانت تصريح الرئيس الأوكراني زيلينسكي الذي كشف فيه أن "غرفة" العمليات الخاصة بالهجوم كانت موجودة داخل الأراضي الروسية، وبالتحديد بجوار جهاز الأمن الفدرالي الروسي في إحدى المناطق. وأكد زيلينسكي أيضًا أنه تم إجلاء جميع المشاركين في العملية بنجاح من روسيا قبل تنفيذ الغارات.
لا شك أن تصريحات زيلينسكي كانت تهدف إلى إذلال القيادة السياسية الروسية، وزعزعة ثقة بوتين في جيشه، وتوجيه رسالة واضحة إلى الكرملين مفادها أن الأمن القومي الروسي أصبح مكشوفًا بشكل غير مسبوق، مما سهل على الأوكرانيين تنفيذ هذه العملية العسكرية الضخمة والمجنونة.
وفي السياق ذاته، كشفت هذه العملية عن مدى ضعف روسيا في مواجهة الهجمات الأوكرانية غير التقليدية، وهو ما تجلى أيضًا في الهجوم المضاد الناجح الذي شنته أوكرانيا في عام 2022، وفي عمليات استهداف البحرية الروسية في البحر الأسود، وفي هجوم كورسك في العام الماضي.
يتوقع معظم المراقبين ردًا قويًا من الكرملين على الهجوم الأوكراني. وبينما يدعو بعض المدونين العسكريين الروس المتطرفين إلى استخدام أسلحة نووية تكتيكية، يرى جون إي. هيربست من atlantic council أن موسكو سترد على الأرجح وفقًا لنهجها العملياتي الحالي، أي من خلال شن هجمات جوية أكثر شراسة.
على الرغم من أن تدمير الطائرات الروسية يمثل ضربة قوية لسلاح الجو الروسي ولهيبة بوتين، إلا أنه لا يقارن في أهميته بالهجوم الأوكراني المضاد الذي وقع في خريف عام 2022. ففي حسابات بوتين، تُعتبر الأسلحة النووية وسيلة لترهيب القادة الغربيين ومنعهم من تقديم دعم أقوى لأوكرانيا.
يبقى السؤال المطروح: هل شاركت أجهزة الأمن الأميركية في التحضير لهذه العملية، أو على الأقل كانت على علم مسبق بها؟
لطالما وعد دونالد ترامب بالتوصل إلى اتفاق لإنهاء القتال في أوكرانيا في غضون يوم واحد، ولكن بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على ولايته الثانية، يبدو هذا الهدف بعيد المنال. وقد أعرب ترامب مؤخرًا عن استيائه من الزعيم الروسي، واصفًا إياه بأنه "مجنون تمامًا" وأنه "يقتل الكثير من الناس بلا داع" في أوكرانيا.
وكان سيث جونز، رئيس قسم الدفاع والأمن في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS)، قد حذر ترامب في وقت سابق من أن "روسيا تفضل أن ينتهي هذا الأمر بانتصار في ساحة المعركة، بدلًا من الاضطرار إلى الدخول في أي نوع من محادثات السلام الجادة التي قد تجبرها على التخلي عن بعض أهدافها".
حتى الآن، اكتفى البيت الأبيض بالقول إن كييف لم تعلمه بالعملية مسبقًا. وفي الوقت نفسه، وقع الهجوم بعد أيام قليلة من زيارة السيناتورين ليندسي غراهام وريتشارد بلومنثال إلى أوكرانيا، حيث أعلنا أن مجلس الشيوخ سيمضي قدمًا هذا الأسبوع في مشروع القانون الذي طال انتظاره لفرض عقوبات إضافية كبيرة على روسيا. فماذا كانا يفعلان هناك عشية توقيع الرئيس الأوكراني على هذه العملية غير المسبوقة؟
بغض النظر عن ملابسات الأمر، فإن إدارة ترامب ستسعى للاستفادة من الهجوم الأوكراني، الذي أضعف التشكيلات الصلبة والاستراتيجية داخل الجيش الروسي. فوفقًا لتقرير صادر عن الإيكونوميست، يمتلك الكرملين أقل من 90 طائرة من طراز تو-22 وتو-95 وتو-160 إجمالًا تحت تصرفه. وأكد معهد دراسة الحرب أن هجمات الأحد "قد تقيد مؤقتًا -على الأقل- قدرة روسيا على تنفيذ ضربات طويلة المدى بطائرات بدون طيار وصواريخ في أوكرانيا".
وبناءً على ذلك، قد يرسل ترامب رسالة مفادها أنه إذا لم يقبل بوتين وقف إطلاق النار، فستُفرض عقوبات جديدة قاسية. وسيستغل ترامب النجاح الأوكراني الأخير في ساحة المعركة لتحقيق هدفه المتمثل في إحلال سلام دائم في أوكرانيا.
بالنظر إلى التطورات المتسارعة في المشهد العسكري والسياسي، لا يمكن الجزم بأن بوتين قد هُزم فعليًا، على الرغم من أن الضربات الأوكرانية المتكررة داخل العمق الروسي تشير إلى تحول في موازين الردع التقليدية. فبوتين لا يزال يمتلك مفاتيح القوة العسكرية والنووية، ويهيمن على أجهزة الدولة ووسائل الإعلام، ويصر على تصوير الحرب على أنها "معركة وجودية" ضد الغرب.
ومع ذلك، فإن اتساع نطاق الضربات، وتصاعد التململ الداخلي، وتآكل ثقة الشركاء الدوليين التقليديين، كلها مؤشرات قوية على أن الكرملين يواجه تحديات غير مسبوقة. فالهزيمة، في السياق الروسي، ليست دائمًا سقوطًا عسكريًا مباشرًا، بل يمكن أن تبدأ بشرخ في صورة "القائد الذي لا يُهزم".
وفي هذا السياق، قد تكون الهزيمة الأخطر هي تلك التي لا يعلنها بوتين، بل تفرضها وقائع الداخل والضغوط المتزايدة من الخارج.